قراءة في قصّة ( مغامرات القرصان همام )
لكاتب الأطفال المغربي الأستاذ أحمد بنسعيد
الجزء الأوّل
بقلم: الناقد الجزائري الأستاذ عبد الله لالي
أحمد بنسعيد 1 كاتب مغربي متخصص في أدب الأطفال له عدّة إصدارات قصصيّة ، اخترنا منها قصّة ( مغامرات القرصان همام ) الجزء الأوّل ، الطبعة الأولى الصّادرة عن ( مطبوعات الهلال وجدة ) عام 2002 م في ثلاث وأربعين صفحة من القطع المتوسّط ، وبرسومات بهيّة من توقيع الرسّام محمّد أبو نزار.
زبدة الحكاية:
همام ؛ قرصان قويّ جدا يقود سفينة في عرض البحر يستولي بها على أموال النّاس وما يملكونه ، وفي إحدى غاراته الكبيرة غنم أموالا كثيرة ، وعاد فرحا مع قراصنته إلى عرض البحر واحتفلوا احتفالا صاخبا ، لكنّ عاصفة قويّة هبّت فجأة وأغرقت مركبهم ، ولم ينجُ منهم إلا عدد قليل ، منهم القائد همام ، وقد ألقاه البحر على الشاطئ في آخر رمق ، وأنقذه حطاب بسيط واعتنى به حتّى شفي ، فتأثر بذلك كثيرا فتاب واستقام حاله ، وصار يعمل مع الحطاب في بيع الحطب ، إلى أن اكتشف بعض رفاقه القدامى مكانه ، لكنّه أثر فيهم أيضا وتابوا معه وصاروا يساعدون كلّ ضعيف.
غير أنّ السّلطة الحاكمة التي كانت تبحث عن القرصان باستمرار نصبت له فخا ، وألقت عليه القبض وحكم عليه بالإعدام ونفذ الحكم فيه ، وتقبّله همام بكلّ رضى رغم توبته وندمه على ما فعله في الماضي.
نهاية غريبة ولم تكن متوقّعة ، ولكن الكاتب يبدو أنّ له مغزى كبيرا منها ، ربّما أراد أن يقول أنّ الذي أخطأ في حقّ النّاس عليه أن يتقبّل الحكم العادل حتّى ولو كان الإعدام ، وذلك من تمام توبته. لكن هل يتقبّل الطفل ذلك بسهولة ..؟ ذلك أمر يحتاج إلى نقاش معمّق وربّما إلى دراسة ميدانية لمعرفة أثر ذلك على الطفل القارئ لهذه القصّة.. !
شخصيات القصّة:
شخصيّات القصّة تبدو كأنّها شخصيّات تراثية من الماضي ، تشبه إلى حدّ ما شخصيّات ألف ليلة وليلة أو شخصيّات قصّة علي بابا واللصوص الأربعين ، وهو نموذج محبوب عند الأطفال يشعرهم بالانغماس في زمن الدّهشة وسحر الحياة القديمة بأساطيرها ومغامراتها الخيالية.
همام القرصان المظلوم:
وحتى اسم البطل الرّئيس يؤكد هذا الاختيار المدروس في تجسيد الشخصيّات والفضاء الزّمني والمكاني، فمغامرات القراصنة يعود زمنها على الأقل إلى أكثر من قرنين من الزمن ، ومن ثمة جاءت شخصيّة همام ، الذي حيّرني اسمه في البداية كأي قارئ يتفاجأ بإضفاء اسم حسن على شخصيّة شريرة ، لكن مع الإيغال في القراءة يكتشف القارئ حقيقة هذه الشخصيّة ، التي هي ضحيّة لظروف قاسية ونشأة يُتم وتشرّد قاهر، وحياة بؤس عند عجوزين قاسيين.
لكنّ هذه الشخصيّة سرعان ما يتجلّى جانبها المشرق بعد التوبة ، والعودة إلى الله والسّعي إلى الدّفاع عن المظلومين بكلّ تفان ، إلى درجة الرّضى بالتضحيّة بالنّفس.
ويصف الكاتب في البداية القرصان همام فيقول:
” ملامح الفرح بادية على القائد الباسل ” همام ” ، هي عادته في كلّ صفقة رابحة كهذه… ! إنّه ” همام السّفاح ” قائد القراصنة الذي ليس له منازع في البلاد كلّها..” ص 05.
إلى جانب همام هناك شخصيّة الحطّاب ( الرّجل الطيب ) الذي ساعد همام ، بعد أن ألقت به أمواج البحر على الشاطئ واكتشفه ابنه الصّغير خالد. ولهذين البطلين دور الرّديف للبطل ، بالإضافة إلى أدوار أخرى ثانوية ، لكنّها قصيرة وليست ذات فعل كبير ، مثل أدوار بقيّة القراصنة الآخرين ، والمرأة العجوز التي أوقعت بهمام ، وكانت السببَ في القبض عليه.
القيم والمعاني:
تضمّنت قصّة ( مغامرات القرصان همام ) أفكارا كثيرة وقيما ومعاني نبيلة ، سعى الكاتب إلى غرسها في نفوس النشء ، كما أنّ هناك سلوكات وأخلاق سيئة حاول تحذير القارئ منها بأسلوب مباشر حينا وغير مباشر في أحيان أخرى.
من القيم الرّائعة التي حاول الكاتب ترسيخها في نفوس الأطفال ؛ قيمة عظيمة جدّا وغالية جدّا ، وهي قيمة ( الخوف من الله ) والرجوع إليه عند اكتشاف أخطاء النّفس وسيّئاتها ، ونجد الكاتب يكرر ذلك كثيرا في صفحات عديدة ، نذكر منها مثلا قوله في ص 15:
” بعيدا عن بيت الحطّاب ، تعوّد همام أن يخلو بنفسه في الغابة يستغفر الله لذنوبه ، ويبكي على تفريطه في الأيّام الخالية . لقد امتلأ قلبه إيمانا ومحبّة لله سبحانه “
ويقول في صفحة 26:
” لم يستيقظ القبطان إلا مع صلاة العصر ، توضّأ وصلّى والقراصنة ينظرون إليه .. “
ونلحظ هنا وفي عدّة مواضع أخرى كيف يسعى الكاتب أحمد بنسعيد إلى غرس هذه القيمة العظيمة، وتنميتها في نفوس الأطفال ، لأنّها القيمة الأولى في حياة الفرد المسلم التي تضمن له الحياة السعيدة في الدنيا والآخرة ، وأحرى بكلّ كاتب مسلم أن يهتمّ بها ويجعلها من مرتكزات رسالته التربويّة والإبداعيّة ، بخلاف أولئك الكتّاب الذين يستصحبون معهم الخطاب العلماني الغربي ، الذي يجعل القارئ منفصما عن دينه ومعتقده ، مستسيغا للخرافات والأساطير دون ضوابط أو قيم.. !
صفة أخرى ، ولكنّها مذمومة هذه المرّة ؛ جَدَّ أحمد بنسعيد في التشنيع عليها واسترذالها ، ورسم الصورة البشعة لها في نفوس النشء ، إنّها تلك العادة الدخيلة التي أصابت الأمّة بوبائها ولأوائها ، إنّها عادة شرب الخمر ومعاقرتها ، إذ حاول الكاتب من الفقرة الأولى في قصّته ؛ ذمّها واستنكارها ، حين قال في صفحة 05 :
” قهقهات تنبعث من شفاه تفوح بروائح الخمور الكريهة “
فمن الكلمات الأولى للقصّة يسوق الكاتب هذه العبارة المنفّرة من شرب الخمر ، وهي طريقة غير مباشرة في تربية النشء على عادة كره الخمر ، قبل أن يعرفوا أنّها محرّمة وعلى المسلم أن يتجنّبها ويلتزم التحريم الإلهي ، وهذا حسن ومطلوب في بيئة تهدف إلى إنشاء جيل صالح.
ونجد ذمّ الخمر والتشنيع بها في مواطن كثيرة من القصّة نذكر منها على سبيل المثال قول الكاتب ص 18:
” في الغابة ظل همام يستغفر الله ويقاوم حنينه إلى الخمر التي كان يرجع إليها في مثل هذه المواقف ليسكر ويغرق في الهذيان “
وهذا الغمز غير المباشر في الخمر ( يغرق في الهذيان ) يجعل الطفل يرسم لها صورة بشعة ومقززة في نفسه ، فيعافها منذ صغره ، وهي أفضل طريقة لحثّ النشء على ترك المحرّمات والمسترذلات من الأفعال والصّفات.
وهناك أمر آخر مهمّ جدا لا ينبغي أن نغفله في هذا المقام ، وهو تجريم فعل القرصنة، واعتبارها من أبشع الأعمال ، وهذا أمر مهم للغاية لأننا تعوّدنا فيما نشاهده من أفلام أو الرّسوم المتحرّكة التي ينتجها الغرب ؛ نوعا من الاحتفاء بفعل القرصنة وجعل أصحابها نجوما وأبطالا يجوبون البحار ، ويكتشفون الآفاق ويسقطون الممالك والسّلاطين ويظهرون الشجاعة والجرأة ، والشهامة والأنفة.. !
وهذا لعمري أمر فيه تناقض بيّن وإبطال مباشر وصريح لما يدعيه مؤرخو الغرب أنّ القرصنة عمل إسلامي خالص وأنّ المسلمين هم من عُرفوا بها.. !
والكاتب هنا يبطل هذا التلميع لهذه الحالة التي اتّصف بها أناس لا دين لهم ولا ملّة ، واعتبار القرصنة سلوكا مذموما مناف للخلق القويم ، يقول الكاتب ص 5:
” الباخرة مليئة بكنوز تلك القرية المسكينة التي فاجأوها في ظلام اللّيل وهي آمنة مطمئنة ، فأبدلوا فرحها حزنا ، حيث نهبوا… وأحرقوا… وقتلوا … “
إذن هؤلاء القراصنة معتدون يبدلون أمن النّاس خوفا ، وطمأنينتهم فزعا ورعبا ، وينهبون ويحرقون ويقتلون ، فأي ذمّ للقرصنة أكثر من هذا وأي تشنيع يزيد على هذا التشنيع .. !
يتبــــع ..
1 – أحمد بنسعيد كاتب مغربي متخصص في أدب الأطفال من مواليد 1971 م بمدينة وجدة حاصل على إجازة الأدب العربي من جامعة محمّد الأوّل عام 1995 م.
من إصداراته مجموعة قصصيّة للأطفال بعنوان (عُمَرُ الذّكي واللصوص ) ومسرحيّة (أطفال درب الحياة ) كما له أيضا مسرحية ( رجل الدّار ). وحكايات ( لماذا أيّتها الشّجرة ) و( الفأرة المثابرة ) و( مدرسة النّجاح ) و( يتامى الحرب ).