طوبى للراضين
بقلم: ا. محمد عبد العاطي – مصر
الرضا بالاقدار ، والتعامل معها بواقعية ، يخفف الألم ، ويُصفي الذهن فيجعله قادرا على التفكير الصحيح ، ما يُعين على تجاوز المحن ، طال الوقت أم قصر .
قرأت عن طبيب مشهور بالبراعة في مهنته ، محبوب من زملائه ، يعيش حياة أسرية هانئة ومستقرة ، مع زوجة جمع بينهما الحب وزاده التفاهم والاحترام وثوقاً ، وأبناء يعتبرون أبيهم رمزاً للعطاء والافتخار .
ولقد عاش هذا الطبيب في طفولته وشبابه سنوات صعبة بعدما انفصلت أمه عن أبيه وهو طفل ، ومات جده الذي كان يرعاه ، ثم لحقت به جدته الحنون ، فبقيت الأم مع طفلها وحيدة في هذه الحياة ، خاصة مع انشغال إخوتها بدنياهم .
وبعد سنوات تقدم إليها رجل في أواسط الأربيعينيات من العمر لم يوفق هو الآخر في حياته مع زوجته الأولى وانفصل عنها ومعه منها أولاد ، فوافقت عليه بعد أن ارتاحت إليه ، وبعد أن وجدت تشجيعا من ابنها الذي كان يبحث عن سعادتها والذي كان يأمل في أن تجدها مع هذا الزوج .
وتزوج الاثنان بالفعل ، وكان الشاب في حفل زفرف والدته في غاية السعادة لسعادة أمه ، وقد حرص على دعوة أصدقائه المقربين ليشاركوه هذه المناسبة وليشعروا أمه أن من حقها أن تتخفف من حملها ، خاصة بعد أن كبر الابن ودخل عامه الأول في كلية الطب .
ومرت الشهور ، وحملت الأم من زوجها الجديد ، ووضعتها أنثى . ثم شاءت الأقدار أن يدب الخلاف بينها وبين زوجها ، ويطلب منها إن أرادت الصلح أن تترك ابنها في شقته بالقاهرة وتذهب لتعيش معه في مدينة أخرى حيث عمله ومقر أولاده .
هنالك احتارت الأم بين العيش مع ابنها وبين العودة لزوجها لكي تتربى ابنها الوليدة في كنفه ورعايته ، فما كان من هذا الشاب النبيل إلا أن شجَّع أمه على السفر لزوجها والاستجابة لشرطه ، قائلا لها إنه قد أصبح شاباً ، وسيرضى بأقداره ، وسيواصل دراسته ، وسيصبر على وحدته ، ولن يضيعه الله .
وبالفعل ، ذهبت الأم وعاشت مع زوجها وابنتها وأولاده ، وبقي الشاب منشغلا بدراسته ، محافظا على صلاته ، مستعينا بالله ، راضيا بما قدّره سبحانه وتعالى ، حتى تخرج ، واشتغل ، وتزوج وأنجب ، وأصبح ذلك الطبيب المشهور في مهنته ، المحبوب من أسرته وأصدقائه ، ذلك لأنه ، رغم المحن ، استطاع المحافظة على سلامه النفسي ، بفضل الرضا يأقداره ، والتعامل معها بواقعية ، ما خفف ألمه ، وصفَّى ذهنه ، وجعله يسلك في الحياة على بصيرة ونور .