البروفيسور د. عادل الأسطة يكتب:
الست كورونا والحزينة التي جاءت تفرح
أمس كان يوما كورونيا بامتياز ، فالحجر الصحي كان تاما وشاملا ، على الأقل في الحي الذي أقيم فيه ، فلا حركة سيارات ولا مشاة . ثمة هدوء تام وصمت كصمت المقابر .
صحوت في السادسة ويبدو أنني كنت المواطن الصاحي الوحيد ، فالكل نيام ، وفي بعض الأحيان يبدو جو مثل هذا مطلبا وأمنية معا ، فحين يزعجك الآخرون ويمعنون في إزعاجهم تتمنى لو أنك وحيد في جزيرة ، كما بطل حي بن يقظان أو روبنسون كروزو ، وقد تكرر ، مع أنك تقطن في حي سكانه مسلمون ، عبارة ” نوم الكفار عبادة ” . هل نوم المسلمين عبادة ؟
إن ابتليت بمسلمين فضوليين فمن المؤكد أنك ستلفظ العبارة في صيغتها المحورة .
ماذا سأفعل غير المعتاد ؟
شطفت الساحة وجلست أتشمس ، ولكن الشمس كانت تشع دقيقة وتختفي عشرا ، ما دفعني للعودة إلى الشقة أسترخي ، وفجأة نادتني الحديقة ، فغدا هو العيد ولا بد من أن تعيد مثلنا وتبدو بمظهر أنيق .
أحضرت المشاطة ومشطت التراب فصارت الحديقة تسبح بحمد خالقها ، فالنظافة من الإيمان .
وأنا أتصفح الفيس بوك قرأت نصيحة الكاتب محمود شقير لمن هم فوق الخامسة والستين ” خليك بالبيت ” ، وتذكرت أنني متقاعد وبعد أيام سأبدأ عامي السابع والستين ، وفي العام ١٩٦٧ حلت هزيمة العرب الكبرى .
كثيرون كانوا ينصحونني بالسفر ، فأنت متقاعد ويحق لك بعد عمل ٤٣ عاما أن تتنعم والسفر يحقق ذلك .
كنت بدأت ، منذ سنوات ، أكتب سلسلة مقالات عن المدن الفلسطينية في الذاكرة ، وقررت أن أكملها لأصدرها في كتاب ثم شرفت الست كورونا وهي ، لا بلوغ الخامسة والستين ، من جعلتني متقاعدا .
منذ شهرين ونصف لم أخرج من نابلس ، فلم أزر عمان للمشاركة في مؤتمر جامعة الزيتونة ولم أزر القدس أو يافا ، وهكذا لم تكتمل الكتابة عن الأخيرة ولم يكتمل الكتاب .
في المجر بدأت الجامعات تعود إلى طبيعتها كما كتب الصديق Sami Sadder حيث يدرس هناك ، ولكنها لم تسمح لمن هم فوق الخامسة والستين بدخول الجامعة ، خوفا على صحتهم وصحة الآخرين ، فهل كنت مجافيا للحقيقة حين كتبت قبل ست سنوات تقريبا مقالا عن المرء في هذا العمر ” مثل جريغوري ، هكذا أنت في الخامسة والستين ” وجريغوري هو بطل قصة ( فرانز كافكا ) ” المسخ ” . أنت في الخامسة والستين مثل سيارة عتيقة خربة .
أجواء أمس كانت رطبة لا حارة ، ومع ذلك وجدتني أكتب الحلقة ٣٦ من ” خفة الكائنات غير المحتملة ” التي بدأت أكتبها قبل سنوات . كانت الكتابة حادة وعند درجة الصفر ، لدرجة أن الصديق محمدعدنان ابو ايلاف عقب متسائلا إن كانت القصة رمزية .
هل كنت أبالغ ؟ لعل توضيح ذلك يتطلب إجراء مقارنة بين محمد الماغوط وتجربته وكتابته عن عالم القمع وبيني وتجربتي وكتابتي عن العالم الكابوسي . ومرة تساءلت إن كان أبطال ( كافكا ) عانوا عشرة بالمائة مما عانيت .
اليوم كان يوما كورونيا بامتياز ، على الرغم من قسوة أيامنا وقسوة تجربتنا إلا أن هذا لا يمنع من الكتابة ” كل عام وأنتم بخير ” ومن تكرار لازمة ( نيتشة ) و محمود درويش ” على هذه الأرض ما يستحق الحياة ” ، والسؤال هو :
– هل سنكرر هذه العبارة إن تشكلت الحكومة العالمية الموحدة وزرعت الشريحة فينا وانتهت الخصوصيات الفردية وصرنا مشاعا تبث تفاصيل حياتنا على الهواء مباشرة؟
أغلب الظن أن علينا أن نؤمن بالحزب الواحد ، حتى تصبح الجنة مأوانا ، على رأي مظفر النواب ” فويل للمارق ” لأن الحكومة العالمية الموحدة ستحاكمه قدام الدنيا قاطبة وتمنع عنه الأنسولين ورصيده البنكي .
عالم كابوسي هو عالم ما بعد الكورونا .
صباح الخير
٢٤ أيار ٢٠٢٠