كتب الأستاذ عبيد الظاهري – السعودية:
المرحلة الأولى من التحصيل في العلوم الشرعية ، مرحلة مهمة ، وهي نفس الوقت مرحلة قصيرة ، الإطالة في إنجازها ، مضر على طالب العلم ، وكثير ممن توقف عن طلب العلم أو تعثر تجد أن ذلك عائد إلى الخلل الواقع له في هذه المرحلة .
فإذا أحسن طالب العلم تحصيلها ، وانتقل إلى ما بعدها ، فإنه سيشعر بالفائدة والإنجاز والتقدم في البناء العلمي ، وهذه لها أثرها العلمي والنفسي أيضا على طالب العلم .
وكما هو معلوم أنه قد جرت عادة العلماء بتقسيم العلوم إلى مراحل بحسب مستوى الطالب ، وأشهرها التقسيم الثلاثي : مرحلة المبتدئين ومرحلة المتوسطين ومرحلة المتقدمين .
والمقصود في هذا المنشور هو المرحلة الأولى فقط ، فهذه المرحلة من كل العلوم الشرعية مرحلة قصيرة نسبيا ، وجميع العلوم الشرعية الأساسية يُمكن إنجازها في وقت قصير ، وخاصة مع الوفرة الكبيرة للشروحات على هذه الكتب بكافة مستوياتها .
فإذا قلنا أن العلوم الشرعية الأساسية ترجع إلى (11) علما ، وهي :(العقيدة ، التفسير ، أصول التفسير ، علوم القرآن ، الحديث ، مصطلح الحديث ، الفقه ، أصول الفقه ، النحو ، الصرف ، البلاغة) .
فلك أن تعلم أن جميع هذه العلوم عدا (الفقه والتفسير) يمكن لطالب العلم أن “يضبط” المرحلة الأولى منها في أقل (20) ساعة .
وأقصد بالضبط : أن يستمع لشرح صوتي أو مرئي على متن مختصر فيها + ويدرس شرحا مقروءا مختصرا على المتن دراسة جيدة .
فمتون مختصرة وكتب موجزة : كالورقات ، والآجرومية ، ومتن البناء ، ومنظومة ابن الشحنة ، والبيقونية . . .إلخ .
هي عبارة عن صفحات يسيرة ، من الخطأ الكبير الإطالة فيها .
وما لم تضبطه أو تفهمه في المرحلة الأولى ، ستضبطه وتفهمه في المرحلة الثانية في العلم ، وهذه طبيعة العلم ، بناء تراكمي متتابع .
فإذا أنجزت هذه المرحلة الأولى من البناء ، انتقلت إلى ما بعدها ، وبدأت تتكشف لك مسائل العلوم وعلاقات العلوم بعضها ببعض ، وساعدك هذا المرور الشامل على هذه العلوم في تكوين صورة أولية جيدة حول طبيعة العلوم الشرعية ، وشعرت بأثرها عليك أيضا في قراءاتك المتنوعة الأخرى .
ولا شك أن العلم عزيز ، وتحصيله ليس بالسهل ، إلا أنه من الخطأ الكبير أن نصعّب هذه المراحل الأولى في طريق طالب العلم .
وأيضا لا يظن من أنجز هذا المقدار من العلم بل وأكثر من ذلك بكثير ، أنه قد بلغ المرتبة العليا من العلم ، فمن ظن ذلك فهو واهم ، والاستزادة المستمرة في العلم كفيلة لأن يعرف قدر نفسه في العلم ، وكثير من الخلل الناشئ عن هذا الوهم ليس متعلقا بخلل في العلم فقط ، بل في القلب والعقل .
وقد أحببت الإشارة لهذا المعنى لما وجدت أن كثيرا من الراغبين في تحصيل العلم يتركونه بسبب إطالتهم في هذه المرحلة ، وهي إشكالية قديمة ، أشار إليها ابن بدران -رحمه الله- في كتابه المدخل إلى مذهب الإمام أحمد ، فيقول :”اعلم أن كثيرا من الناس يقضون السنين الطوال في تعلم العلم ، بل في علم واحد ولا يحصلون منه على طائل وربما قضوا أعمارهم ، ولم يرتقوا عن درجة المبتدئين” .اهـ
والله أعلم